عقوبة التخبيب بين الزوجين في النظام السعودي 2024
لقد أقر المشرع السعودي عقوبة التخبيب بين الزوجين. لأن من مقاصد الشريعة الاسلامية في الزواج واستقراره. حصول المحبة والألفة بين الزوجين. لما يترتب على ذلك من المصالح العظيمة. والفوائد الجليلة. وقد حرص الشرع على تقوية تلك المشاعر. على وجه الدوام. ودفع كل الأمور الجالبة للخلاف والفراق بين الزوجين ومن ذلك جريمة التخبيب
تجريم التخبيب
لقد سبق وأن عالجنا في مقالة سابقة موضوع التخبيب تعريفه وحكمه والطرق التي يتم بها يمكنك الرجوع اليها وهي بعنوان “ماهو التخبيب بين الزوجين وما حكمه“. فعموما يقصد بالتخبيب دفع شخص يتوفر لديه الإدراك، و التمييز. وحرية الاختيار على الطلاق من شريك حياته. وذلك بالتأثير على إرادته. وتوجيهها الوجهة التي يريدها المخبب، إذا فالتخبيب الهدف منه هو خلق فكرة الانفصال والتفريقة والطلاق لدى لزوج أو الزوجة. وجعله يصمم على ذلك.
التخبيب هو الوشاية والخداع والافساد من أجل التفريق بين الزوج وزوجته بجميع صوره وحالاته. والتخبيب في الاسلام من الذنوب العظيمة ومن أشد المحرمات فالتخبيب أيا كان، جريمة من الجرائم في الشرع والنظام. ويترتب على ذلك المسؤولية الجنائية. كما أن عقوبة التخبيب بين الزوجين يجب أن تكون رادعة لما يتسبب من افساد بين الزوجين والوقيعة بينهما.
إن جريمة تخبيب أحد الزوجين على الآخر. هي من أهم أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية. ومن ثم حصول العداوة. والمشاكل الأسرية. وكذلك حصول النشوز. والمعصية. والطلاق.
والاسلام أكد على أهمية الزواج، واستقرار العلاقة الزوجية والأسرة. حيث سمي الزواج في القرآن. بالميثاق الغليظ ،ووصف الميثاق الغليط في القرآن لقوته وعظمته ومدى أهميته في بناء الأسرة. والميثاق الغليط هو العهد الذي أُخِذ للزوجة على زوجها عند عقد النكاح. وما يتضمنه من حق الصحبة. والمعاشرة بالمعروف. والميثاق الغليظ يقتضي حسن المعاشرة بين الزوجين. والصدق، والتضحية، والبذل، والوفاء والحب، والتفاهم.
أهمية موضوع عقوبة عقوبة التخبيب بين الزوجين
تتجلى في إبراز صورة من صور افساد الأسر السعودية ألا و هي جريمة التخبيب و ذلك من عدة جوانب أهمها:
- بيان مبدأ شرعية العقوبات للجرائم المترتبة على التخبيب.
- ِ خطورة المخبب على الاسرة هذه الاخيرة التي تعتبر نواة المجتمع .
- صعوبة إثبات التخبيب في بعض القضايا، و قد أصبح مقترفو هذه الجريمة يبحثون عن طرق يرتكبون بها جيمتهم دون أن يكون لهم يد ظاهرة.
- التخبيب كجريمة يعاقب عليها
ما المقصود بالعقوبة التعزيرية
وهي عقوبة تخص الجرائم التي لا توجب القصاص أو الحد، حيث تدخل في كل فعل حرمته الشريعة الإسلامية ولكن دون تحديد عقوبته،ولهذا فإن تحديد العقوبة ونوعية الحكم متروك للسلطة التقديرية للقاضي.
لذلك عقوبة التخبيب بين الزوجين في النظام السعودي جاءت في الشرع بالتعزير عند الفقهاء. فالجرائم تنقسم إلى صنفين معاصي ذكر فيها الحد وأخرى لم يذكر فيا ومن هذه الجرائم التخبيب.
حكم التخبيب في القضاء
و حكم التخبيب في القضاء يخضع للسلطة التقديرية للقاضي بما يراه مناسبا تبعا لظروف الجريمة وجسامة الأفعال الجرمية وشخصية الجاني المجرم. فأحيانا تكون العقوبة الغرامة المالية، أو الحبس شهرين إلى ثلاثة أشهر وذلك بما يراه مناسبا.
أنواع التخبيب
الإغراء
فعل الإغراء يمكن تعريفه استنادا لما استقر عليه الفقهاء وفهم جمهور. بأنه كل دعوة موجهة إلى شخص ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، مجهولا أو معروفا و هذا بإتيان الفجور وذلك مهما كانت الوسيلة المستعملة في ذلك ، وهو على هذا النحو يتمثل في مراودة الزوجين و محاولة الجذب واغرائهم بالتفريق بينهما.
إفساد
من خلال الدفع بالزوجين أو أحدهما وتحريضهم على الفسق والفجور، حيث يستهدف المخبب من ورائ تخبيبه استدراج الزوجين أو أحدهما ومساعدته أو تشجيعه على ممارسة الفساد أو الدعارة.
التحريض
حيث أنه في جريمة التخبيب يقع فيها التحريض بشكل كبير من قبل الغير سواء كان من العائلة القريبة أو الاصدقاء أو الناس البعيدة على الأسرة. والتحريض هو الأكثر شيوعا واستعمالا في جريمة التخبيب وبأنواعه كالوعد، أو التلميح أو التشجيع، أو غيرهما. مما يحمل الزوجة أو الزوج ويشجعهما أن يطيعا المحرض أيا كان وبالتالي تفسد العلاقة الزوجية بينهما.
التخبيب الفردي
و الذي يكون من الأشخاص وغالبا مايكون من العائلة المقربة إلى الزوجين أو من صديقات الزوجة وأصدقاء الزوج فقد يكون من أم الزوجة أو ام الزوج أو من أخت الزوجة أو من ألأصهار أو من العمة أو الخالة أو بنت الخال أو من أصدقاء السوء بسبب الغيرة والحسد ونية تفريق الزوجين وتطليقهما وفي هذه الحالة يكون التخبيب عن قصد. أو قد يكون من دون نية القصد كالذي يكون من باب النصيحة.
التخبيب العمومي
فقد شهدت البشرية في الأونة الأخيرة تطورا تكنولوجيا كبيرا ما ساهم في ظهور عالم افتراضي موازي للعالم الواقعي ومن أبرز مظاهره مواقع التواصل الاجتماعي حيث يؤكد خبراء في تخصص دراسات الأسرة على وجود علاقة بين زيادة استخدام الهواتف الذكية وتفحص مواقع التواصل الاجتماعي وتفاقم المشكلات الزوجية، فالانشغال بالهواتف الذكية واستخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل مفرط يمكن أن تؤدي إلى تحول الانتباه بعيدا عن شريك الحياة، وتقلل فرص التواصل والتفاعل مما يؤدي إلى تدهور العلاقة.
أركان جريمة التخبيب
ويعد التخبيب جريمة لورود النص بالتجريم لقوله عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه “«لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا” وحتى تتحقق المسؤولية الجنائية في التخبيب ومن تم أهلية عقوبة التخبيب بين الزوجين يجب أن يكون بين دائرة الزوجين.
من أجل تحقق جريمة فلابد من تحقق أركانها الرئيسية
الركن الشرعي
حــرص الشريعة الإســلامية علــى حفــظ التكــوين الأســري والاجتمــاعي، والعمل على حمايته من التفكك والانحلال، والتخبيب عامل هدام للمجتمعات.
نهـي الرسول صل الله عليه وسلم عـن هـذا الفعـل، واسـتعماله أشـد صـيغ الزجـر في التحـذير والترهيب منه، بالبراءة من فاعله، بقوله: (ليس منا)، مما يدل على تحريمه، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب.
الركن المادي
يتكون الركن المادي من وسائل تحمل الزوجين على التفرقة أو على كره بعضهما. ويتميز بالنشاط الذي يصدر عن المخبب، و الموضوع الذي ينصب عليه، وتكون له طبيعة مادية تلمسه الحواس، حيث أنه في القانون لا تتحقق الجرائم بغير الركن المادي. فتحقق هذ الأخير يجعل إقامة الدليل على الجريمة وإثباتها أمرا ميسورا.
كما نجد الركن المادي في جريمة التخبيب هو ذلك ِ الفعل الذي يقوم به المخببَ لزرع فكرة التفريق لدى الزوجين و إقناعهم على التفرقة بأي وسيلة من الوسائل .
الفعل الإجرامي للمخبب
يتمثل في ِ النشاط الذي يصدر عن المخبب، وهو كل عمل إيجابي و مهما كان نوعه من التحريض ، من أجل خلق فكرة الطلاق، و التصميم
عليها في ذهن الزوجين والذي كان في الأصل خاليا منها و ذلك بقصد التفريق بينها.
و الممخبب ھو الذي يولد فكرة الطلاق، في نفسية الزوجين و هو العقل المفكر لهما..ِ فقد يكون ذهن الزوجين خاليا من فكرة الطلاق َتماما ِ لو لا تحريض المخبب، لذلك فالتخبيب هو نشاط من قام بالتحريض لا من وجه إليه من خلال زرع الحقد والكره فيندفع الزوجين الى الطلاق.
النتيجة الإجرامية لنشاط المخبب
النتيجة هي افساد الزوجين على بعضهما. والتفرقة بينهما، فهي تعتبر كأثر للنشاط المادي المرتكب، حيث أن المبدأ العام هو ترتيب النتيجة عن نشاط التخبيب ، و يتولد عن هذا تحقيق نتيجة جرمية محددة، ألا و هي خلق فكرة التفرقة ومشاعر الكره والحقد بين الزوجين، و التصميم على فكرة الطلاق في ذهن كان خاليا منها.
العلاقة السببية بين جريمة التخبيب و افساد العلاقة الزوجية
العلاقة السببية هي الرابطة بين الفعل المرتكب ، و النتيجة الحاصلة من هذا الفعل ،بمعنى ارتباط الفعل بالنتيجة، و تتحدد مسؤولية المجرم عن جريمته بحسب نوع الصلة بين فعله ، و النتيجة المترتبة عليه، وبالتالي فإن الجاني لا يسأل عن نتيجة فعله إلا إذا كان بين الفعل ، و النتيجة رابطة سببية، فإذا توفرت هذه الرابطة كان الجاني مسؤولا عن نتيجة فعله بينما إذا كانت الرابطة السببية منعدمة بين الفعل ، و النتيجة، أو كانت منقطعة
قبل تحقيق النتيجة فإن الجاني يسأل عن فعله ، و لا يسأل عن نتيجته، إذا فمتى كانت هذه الرابطة بين النشاط، و النتيجة تكون بصدد جريمة التخبيب، أما إذا كانت هذه الرابطة منعدمة فلا تحريض، و ِ لا عقوبة.
وهكذا يتضمن عناصر تكوين الركن المادي وهي افساد والتحريض والإغراء بمال أو غيره وزرع العداوة والبغضاء من أجل التفريق أو الافساد بين الزوج وزوجته . وذلك بعد ثبوت القرائن والأدلة واجراءات التحقيق والاستجواب ومن ثم الاتهام بجرم التخبيب.
الركن المعنوي
إلى جانب الركن المادي فإنه لتحقق جريمة التخبيب فلابد توفر الجانب المعنوي الذي يتطلب انصراف عناصره إلى إنشاء التصميم و ارتكاب الجريمة.
باعتبار أن التخبيب هي جريمة عمدية لا تتحقق إلا بتوفر القصد الجنائي أي نية الإجرام ، و لا يمكن تصور وقوعها عن طريق الخطأ، أو الإهمال، و للقصد عنصران هماِ العلم، و الإرادة، فالعلم يكمن أن يكون المخبب عالما بأن الطريقة ، أو الوسيلة التي لجأ إليها للقيام بالتخبيب من شأنها أن تأثر في نفسية الزوجين وتدفعهما الى التفرقة والطلاقَ.
أما الإرادة بمعنى أنها تكون ِ إرادة المخبب قد اتجهت إلى خلق فكرة الطلاق والتصميم عليها من طرف الزوجينَ، ولهذا فإن هذا الموضوع يثير مشكلات عديدة منها ما مدى توفر الركن المعنوي في المخبب جهلا أو المخبب المنصوح وحسن النية؟
ولهذا لا يمكن الحديث عن عقوبة التخبيب بين الزوجين الا بعد اجتماع هذه الأركان الثلاثة لتتحقق المسؤولية الجنائية وأن لا توجد أحد الأسباب الشرعية التي تعدم المسؤولية الجنائية.
المسؤولية الجنائية في التخبيب
إن موضوع المسؤولية الجنائية في التخبيب لا يزال محل اهتمام الفقه الشرعي الجنائي، فالأساس في قيام المسؤولية الجنائية مبني على حرية الاختيار و الإدراك، فالإنسان متى كان حرا في إتيان السلوك الإجرامي من عدمه أصبح محل قيام مساءلته جنائيا. هذا بالإضافة إلى الإدراك.
فالشخص إذا اختلطت عليه الأمور فاستوى لديه المباح بالمحضور و فقد بذلك عناصر التركيبية الذهنية في إتيان أصل الفكرة محل الدراسة كانت الغاية من عقابه دون جدوى، ذلك أن الغاية من العقوبة التعزيرية هي الردع و الإصلاح، فإذا أنزلنا الجزاء على الشخص كنا بصدد الانتقام منه وليس بتحقيق هذا الردع و الإصلاح. و قد تتعدد هذه الظروف التي تحل على إرادة الشخص فتفقده حرية الاختيار و الإدراك فتكون بصدد موانع المسؤولية الجنائية.
خلاصة
في ختام هذه المقالة لا يسعنا إلا القول بالحرص على إجتناب فعل التخبيب. لان هذه جريمة عظيمة في الشريعة الاسلامية للأدلة الشرعية التي حرمته. وأنه كبيرة من الكبائر وتبعا لذلك فهو جريمة يعاقب عليها.
والتخبيب يكون بالوشاية والخداع والافساد من أجل التفريق بين الزوجين كما يمكن أن يكون بين العامل ورب العمل. كما أن هذا الفعل لا يقتصر على العلاقة المحرمة مع الزوجة أو الزوج انما تشمل كل المعاني من نميمة وسحر وابتزاز .
من أجل تحقق الجريمة وبالتالي عقوبة التخبيب بين الزوجين فلابد من أن تتأكد المسؤولية الجنائية بأي فعل أو قول يدل على الافساد وذلك بعد تبوث الأدلة والقرائن على الجريمة.
و عقوبة التخبيب بين الزوجين هي التعزير. ففي الفقه الاسلامي فكل معصية لا حد فيها ولا كفارة عقوبتها التعزير