موضوع التخبيب في الاسلام يتيح لنا الفرصة للحديث عن أهم الآفات وأشد الفتن التي تهدد الاسرة الاسلامية. فالاسلام اهتم اهتماما لا مزيد عليه بشأن ألأسرة. وأسس تكوينها وأسباب دوام ترابطها من أجل أن تبقى الأسرة المسلمة شامخة. يسودها الوئام والمحبة والمودة والرحمة. قال الله عزوجل :(( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الروم 21.
ومن أجل أن تنعم الأسرة بالسكينة والتماسك والمعاشرة بالمعروف قال تعالى :(( [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187). وباعتبار الأسرة النواة الأولى لتكوين أي مجتمع. فإن صلاح الأسرة من صلاح المجتمع وفسادها من فساده. لذا من الطبيعي أن يحيط الاسلام الأسرة بالرعاية والجماية. من أجل تنظيمها وتطهيرها من الآفات والفوضى وكل ما من شأنه إفسادها أو تدميرها. فما هو التخبيب في الأسلام؟ وما حكمه والأدلة على ذلك؟ وهل هو من الكبائر؟ وما كفارة التخبيب ؟
لقد وضعت الشريعة الإسلامية قواعد شرعية أساسة يسير عليه كلا الزوجين. فأوجبت على الزوج أن يعامل زوجته بالمعروف وإعطائها حقوقها الشرعية كاملة من مأكل ومسكن وملبس ونفقة. لكن رغم ذلك فإن الآفات التي تهدد مؤسسة الزواج كثيرة. وأهمها في الوقت العاصر آفة التخبيب سواء عن طريق تخبيب الزوجة على زوجها أو العكس. وهو من الخصال الفاشية في الناس في هذا العصر والكثير من الأسر إبتلي بها،
ما هو التخبيب في الاسلام
يعد التخبيب في الاسلام من الحيل المذمومة شرعا لوصول إلى المرأة أو الرجل. وهو أحد أسباب فساد تدبير المنزل. وذلك عن طريق الافساد بين الزوجين. فالمخبب هو الذي يسعى بين الناس بالخداع والافساد. سواء كان بين الزوجين أو كان بين العامل ورب عامله. أو بين الإبن وأبيه. أو بين الأصدقاء أو الشركاء في التجارة أو الشركة، أو بين جارين،….
وهكذا فإن التخبيب في الاسلام بين الزوجين. هو فعل محبب إلى الشيطان لانه من أفعال الحسد والنميمة والايقاع بين الناس وافساد العلاقات. هذه الأفعال من الإثم ويرتكبها البعض من حيث يعلم أو لا يعلم. من خلال محاولة إفساد زوج على زوجته أو الزوجة على زوجها. وقد يقع هذا من أقرب الناس إليهم.
حكمه الشرعي – حكم تخبيب الزوج على زوجته –
التخبيب محرم في الكتاب. والسنة. وإجماع أهل العلم. ولم يقل بجوازه أحد من العلماء. فالمخبب يفسد العلاقة بين الزوجين لتحل مشاعر الكره. والحقد بدل مشاعر المحبة. والمودة والرحمة. التي يفترض أن تكون بين الزوجين. فبسبب التخبيبب يتحول الزواج من السكينة إلى المعاناة والتي في غالب الأحيان ينتهي بالتفريق والطلاق وشتات الأسرة وتضرر الأبناء والمجتمع.
ولهذا فإن فعل التخبيب محرم شرعا في الإسلام. فالمخبب ملعون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الفعل ينال صاحبه الإثم واللعنة. ولهذا سنحاول ان نستعرض للأدلة الشرعية على تحريم هذا الفعل في القرآن والسنة النبوية.
التخبيب في القرآن
يعتبر القرآن دستور المسلمين. فمنه تؤخد كل الأجكام العمومية. وما لم يذكر تفصيلا فيرجع إلى السنة النبوية المطهرة والتي بينت أحكامه.
لم ترد أي آية نصت على تحريم التخبيب في القرآن صراحة. ولكن دلت آيات كثيرة على تحريمه من حيث العموم. والتنبيه ومن ذلك قوله تعالى: ” فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ”(البقرة 102).
ولأن هدف الشيطان التفريق بين العباد. والتفريق بينهم فإن المخبب شبيه بالسحرة والشياطين. وهذا النص القرآني يؤكد على غاية الشيطان. ويبينها على أنها التفريق بين الزوجين. ولأن الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وبسبب التخبيب يتحقق مراد الشيطان
قال تعالى: “إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ”(يوسف الآية 23).
قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات:12].
المخبب في السنة النبوية
جاءت السنة النبوية صريحة في تحريم فعل التخبيب. ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ :”‘من خبب زوجة امرئ. أو مملوكة فليس منا”.أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» رواه أبو داود. وفي حديث آخر قال رسول الله ﷺ: “ملعونٌ من خبّب امرأة على زوجها”
عن جابر رضي الله عنه قال. قال رسول الله ﷺ:”إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ. ثم يبعثُ سراياه. فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً. يجيءُ أحدُهم فيقولُ : فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ ما صنعتَ شيئًا. ويجيءُ أحدُهم فيقولُ : ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه ، فيُدْنِيه منه. ويقولُ : نعم أنتَ” قال الأعمش: أراه قال “فيلتزمه” أخرجه مسلم.
صحة حديث لعن الله من خبب زوج على زوجته
هذه الأحاديث هي دلالة على تحريم التخبيب لتبرؤ النبي ﷺ من فاعله. وهو محرم بجميع أشكاله وصوره سواء كان تخبيب المرأة على زوجها. أو الرجل على زوجته. لأنه يوقع الضرر ويلحق الأذى ويساهم في التفريق بين الزوجين. وفي افساد العلاقة وتوترها. وبذلك يتسبب المخبب بالفتنة بين الزوجين.
هل التخبيب من الكبائر ؟
المخبب هو الشخص الذي يسعى بالخداع والفساد وأهم ضحاياه الزوجين. عن طريق إفساد المرأة على زوجها. حتى يفرق بينهما وذلك بذكر مساوئ الزوج عند امرأته أو تزيين عداوته نحوها. أو بيان محاسن أجنبي عندها ونحو ذلك بما يجلب الفساد . لذلك فإن تخبيب المرأة على زوجها. يعتبر من الذنوب الكبيرة. حتى وصل بعض العلماء إلى عدم صحة زواج المرأة من الذي خبّبها على زوجها. كعقوبة له بما يتعارض مع نية الزواج.
قال ابن النحاس: “إفساد المرأة على زوجها. والعبد على سيده، كذا عده ابن القيم وغيره في الكبائر: “قوله: خبب: معناه خدع وأفسد”(ابن
النحاس، 1407هـ). ولهذا فإن التخبيب من الكبائر ومن جنس عمل السحرة (ابن تيمية، 1398) وابن حجر، د.ت .
كفارة التخبيب
المخبب عليه أن يستغفر الله ويزداد جرمه إذا تزوجها. ويختلف الفقهاء في تقدير حكم زواج الرجل بامرأة أفسدها على زوجها. حيث يرى جمهور العلماء أن الزواج في هذه الحالة صحيح. رغم أن التصرف الذي أدى إلى الفساد محرم. ولكنهم يرون أن الزواج مجاز في هذه الحالة. أما المالكية وبعض أصحاب أحمد، فيعتبرون الزواج باطلاً ويفرقون بين الحالات، معاملة له بالمثل. لأن النكاح يبنى على الصدق والصراحة وحسن النية وليس الخداع، وهذا الزواج نتيجة الخداع والتحايل والتخبيب.
ويؤكد الفقهاء على أن كفارة التخبيب والافعال التي تكون نتيجة له يكون بالتوبة الصادقة إلى الله. والندم على العمل الخاطئ. والعزم على عدم العودة إليه. والابتعاد عن كل الطرق التي قد تؤدي إلى تكرار مثل هذا السلوك. فمن تاب، فإن الله سيرحمه ويتوب عليه.
فمن تاب من ذنب ولو كان عظيماً تاب الله عليه. قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة. ويخلد فيه مهانا إلا من تاب. وآمن وعمل عملاً صالحاً. فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً). [الفرقان: 68-69-70].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه” رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: “إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر” رواه الترمذي وحسنه. والله أعلم.